بقلم الحبيب بوعجيلة
الذين اشتغلوا على طعن الثورة منذ ثلاث سنوات اعتمدوا كل الأجهزة المتاحة التي سمنتها المنظومة البائدة على امتداد عقدين :أولا بيروقراطية الادارة العميقة التي تحولت الى « طبقة اجتماعية » تشكلت من امتصاص ريع الدولة الزبونية منذ تأسسها نظاما للحزب الواحد المندغم في ظل الزعيم الأوحد حتى تحولها الى نظام العائلة الواحدة المندغمة في اقتصاد الفساد المافيوزي و ثانيا منظمات مجتمع مدني على القياس و تنظيمات و نشطاء و شخصيات سياسية و حقوقية واجتماعية مخترقة بالسر و العلن و ثالثا جهاز ايديولوجي أكاديمي و ثقافي و اعلامي مجند و مشدود من أمعائه و من عقله المزيف الى المنظومة البائدة .
أسلوب الطعن اشتغل على سيناريوهات متجددة بحسب مراحل الانتصار أو الهزيمة في عملية الاشتباك مع ارادة الأغلبية الشعبية التي انتقلت على امتداد السنوات الثلاثة في عمر الثورة من وضع التحفز و التألق الى وضع التهري و الانهاك و الخيبة :
مقايضة الامن بالحرية في الايام الاولى للثورة مرورا الى محاولة تزييف الارادة الانتخابية باستحضار الاستقطابات المزيفة و صناعة الرمزيات المزيفة و تمييع المشهد السياسي وصولا الى تخريبه عبر قانون انتخابي مر بك لوضوح الخريطة السياسية وصولا الى تعطيل « الانجاز » بعد الانتخابات و « تجريم » الاختيار الشعبي و التشكيك في حكمة هذا الاختيار قبل الانقلاب عليه بترحيل قرار « المستقبل الوطني » الى « هيئات أخرى » تشكلت عبر ميزان قوى وهمي مفروض بالقصف الاعلامي و الضغط « الاستعماري » وصولا الى استعمال رعب « الدم السياسي » المسفوح بذكاء « مخابراتي » خبيث .
في سياق » الطعن الممنهج للثورة » كان هناك حدثان رهيبان ينضجان ببطء على نار « المؤامرة العالمة و المحترفة » : الحدث الاول سقوط الأحلام و تنامي الاحساس بالاحباط من تحقق المطلب الرئيسي للشعب « المنتفض » الذي تحولت انتفاضته دون شعور منه الى ثورة اسقطت نظاما . أما الحدث الثاني الناتج عن الأول فهو فقدان الثقة في « الطبقة السياسية جمعاء » . الحدثان متظافران سيحولان اغلبية محترمة من الشعب المنتفض الى شعب لا يحب انتفاضته التي فوضها الى طبقة سياسية اختارها في 23اكتوبر لتحولها الى ثورة فعجزت خطابا و فعلا لأنها قد لا تكون آمنت بقدرات هذا الشعب أصلا على الانتصار لو جندته في المعركة فابتلعتها الدولة لانها لم تنقل اليها الثورة .
خيبة الشعب المنتفض في أحلامه و في طبقته السياسية كان نجاحا معتبرا لسيناريوهات القوى المضادة للثورة و لكن هذه الخيبة نفسها هي التي ستعصف الآن بالجميع ناجحين و مهزومين :عندما يستعيد المنتفضون أمرهم بايديهم عبر الارتداد الى ما قبل الوطني في استحضار رهيب و مرعب لغرائزية « المناطقي » و « القطاعي » و « الجهوي » بل و « العروشي » و حتى « العرقي » برعاية و توجيه من « سياسيين حاقدين لا ينظرون الا الى مصالحهم الضيقة في لعبة الصراع على السلطة » …عندها …معنى ذلك أن البيت سيهدم على رؤوس الجميع ….الجميع الجميع : القوى المضادة الحاقدة و الوطنيون الذين عجزوا عن ان يكونوا ثوريين ..
في هذه اللحظة الفارقة من عمر الوطن يحق لنا أن نقول لسياسييي الجبهة الثورية …اصمتوا قليلا و لا تضيفوا الى خيبتكم خيانة تسليم الشعب الى جلاديه …و لأعوان المضادة نقول :ستحترقون بنفس السعير الذي نفختم فيه
هذه التعاليق لا تعبر عن توجهات الموقع و إنما تعبر عن رأي صاحبها