حجم ما يتعرّض له رئيس الدّولة منصف المرزوقي من انتقاد و تعريض و سخرية و هجوم تجاوز في عديد الأحيان حدود اللياقة و الاتّزان خاصّة من طرف المنظومة الإعلاميّة النوفمبريّة ليس في تقديرنا مجرّد موقف متحفّظ من آدائه السياسي و تقييم لشخصه بل هو ضرب من التعويض و التنفيس عن سنوات الخضوع و التبعيّة و الانسحاق في عهد سلفه حيث كان نفس الإعلام يسبّح بحمد الحاكم و يقدّم له كلّ أشكال الولاء و الطّاعة في تنافس و سباق و تزاحم محموم على الفوز بالرضى و العطاء …
كما أنّ تواتر المقارنة العبثيّة بين المرزوقي و سلفه لا يعكس في تقديرنا مجرّد إحساس بالتفاوت بين الرّجلين و العهدين إذ لا وجه للمقارنة بين نظام إستبدادي مهما كانت نجاحاته و نظام ديمقراطيّ مهما كانت إخفاقاته … و لكنّ ذلك يعكس حالة من الشّعور المدوّي باليتم و الفراغ و الضّياع لدى وضعوا كلّ رصيدهم و علّقوا كلّ آمالهم علي منظومة لم يدر بخلد أحدهم لحظة أنّها قابلة يوما ما للتّهاوي أو التصدّع …
هي كذلك حالة من الفقد و الاستلاب و الحاجة النفسيّة لنموذج الزّعيم القائد القادر القاهر الجامع المانع و أسطورة » المستبدّ العادل و الدّكتاتوري المستنير » التي ترسّخت في وعي الكثير من النّخب الخاضعة لجبروت الاستبداد طيلة عصور الانحطاط …
هل مازلنا بحاجة في خطّة رئاسة دولنا إلى نموذج زعيم الأمّة الأوحد القائد الملهم حامي الحمى و الدّين ؟
أم الرّئاسة هي خطّة وظيفيّة تداوليّة من خطط الدّولة المدنيّة في السلّم الترتيبي لوظائف الدّولة ينطبق عليها ما ينطبق على غيرها من الخطط ؟
فيكون الرّئيس بمقتضى ذلك كغيره من الموظّفين يخطئ و يصيب و يجتهد و يخيب له حقوق و واجبات و ينطبق عليه القانون كما ينطبق على غيره له أو عليه …
إنّ الهجوم الهستيري البذيء على شخص الرّئيس الحالي هو انتقام من الذّات المثقلة بشعور الإثم و المهانة لدى العديد ممّن والوا سلفه بشكل مجاني أو بمقابل زهيد و لكن على حساب كرامتهم الشخصيّة و شرف المهنة و حقوق شعبهم …
هو بحث عن بطولات زائفة و شجاعة وهميّة في فترة حرّرت فيها الثّورة الألسنة و الأقلام و لم يعد انتقاد مسؤول مهما علا شأنه عملا بطوليّا أو شجاعة … و ليس المبالغة في البذاءة و السّخرية و التندّر إلا محاولة لبلوغ أعلى السّقوف الممكنة لاختبار الشّجاعة و البطولة …
كيف يمكن أن تتحوّل العلاقة بين المسؤولين و شعوبهم إلى علاقة مدنيّة تعاقديّة بين موظفين مكلّفين بمهامّ و شعوب تختار من ينوبها لتلك المهامّ تراقبها و تحاسبها ضمن معايير مدنيّة مسؤولة ؟
نحتاج الكثير من الحهد و الدّربة للتحرّر من ترسّبات الاستبداد و تشوّهاته الهيكليّة العميقة المتجذّرة في الوجدان و الوعي و الضّمير الجمعي …
هذه التعاليق لا تعبر عن توجهات الموقع و إنما تعبر عن رأي صاحبها